إغتصاب الحرب

. استعمال العنف الجنسي كسلاح حرب ظاهرة متفشية في الصراعات منذ زمن طويل و هي صامتة صمتا جعل ضحاياها غير مرئية

عادة ما يشار إلى العنف الجنسي تحت تسمية “اغتصاب الحرب “. العنف الجنسي هو إستراتيجية عسكرية أو سياسية في حد ذاتها وهو  يعرف ويقرر من أعلى الاطارات بنفس الطريقة التي يقرر بها قصف قرية، إبادة شعب أو إطلاق الغاز على جماعة.

إذا كان هناك دائما اغتصاب في الحرب، الاغتصاب  كأداة للحرب أصبح مزمن و شبه منتظم في الصراعات المعاصرة. بالتالي، أصبح الاغتصاب طريقة  للإذلال و الهدم و اتخاذ السلطة و هي مستعملة ليس ضد النساء فقط (جمهورية الكونغو الديمقراطية، كينيا، بوسنة، رواندا) بل أيضا ضد الرجال (ليبيا، أوغندا) و الأطفال (سوريا و جمهورية الكونغو الديمقراطية) .

بالنسبة للضحايا، نادراً مايقع استماعهم و هم يتعرضون لسوء الرعاية بل أن مرتكبي الجرائم لا يقع مقاضاتهم إلا بشكل استثنائي. هذا رغم وجود إطار قانوني. منذ سنة 2000, القرارات 1325 و 1820  التي اتخذها مجلس أمن الامم المتحدة صرحوا أنا استعمال الاغتصاب و غيره من طرق العنف الجنسي خلال الصراعات يمكن أن يشكل جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية أو ركنا أساسيا في جريمة الإبادة الجماعية.

منذ قرون،  تم قبول العنف الجنسي خلال الصراعات ضمنياً و أصبح يعتبر ممارسة لا مفر منها. في سنة 1998, سجلت الأمم المتحدة ، على مدى قرون، أن الجيوش اعتبرت الاغتصاب جزءًا مشروعاً من غنائم الحرب.

خلال الحرب العالمية الثانية، اتهمت جميع أطراف النزاع بالاغتصاب الجماعي إلا أن المحكمتين اللتين أنشأتهما دول التحالف المنتصرة لمقاضاة مرتكبي جرائم الحرب – في طوكيو ونورمبرغ – لم تعترف بالطابع الإجرامي للعنف الجنسي.

م يتم فرض هذه المسألة على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة  إلا سنة 1992 أين سلط  الاغتصاب الجماعي للنساء في يوغوسلافيا  السابقة. وفي 18  ديسمبر 1992، أعلن مجلس الأمن  أن الاحتجاز  و  إغتصاب النساء  الجماعي  والمنظم والمنهجي ، و في الخصوص النساء المسلمات، في البوسنة والهرسك يشكلان “جريمة دولية لا يمكن تجاهلها”.

وفي وقت لاحق، شمل النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة الاغتصاب كجريمة من الجرائم ضد الإنسانية إلى جانب جرائم أخرى مثل التعذيب والإبادة، و ذلك عندما ترتكب في نزاع مسلح موجهة ضد السكان المدنيين.
بالإضافة إلى ذلك، وسعت المحكمة تعريف الرق كجريمة ضد الإنسانية و إعتبرت أنه يشمل الاسترقاق الجنسي. سابقاً، كان العمل القسري هو النوع الوحيد من الرق الذي يعتبر جريمة ضد الإنسانية.

وسرعان ما أخذت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة في اعتبارها حالات الاغتصاب في الصراع البوسني. منذ سنة 2000، بدأت محاكمة “معسكرات الاغتصاب” في فوكا في البوسنة و قامت المحكمة بتكييف الاغتصاب كجريمة ضد الإنسانية وحكمت على مرتكبيها بالسجن مدة 40 و 45 و 39 عاما. لقد أدين أكثر من ثلث المدانين من قبل المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة بجرائم تتعلق بالعنف الجنسي.

ثم شملت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا أيضا الاغتصاب في نظامها الأساسي. وفي سنة 2001، أصبحت هذه الأخيرة المحكمة الدولية الأولى والوحيدة، إلى يومنا هذا، التي تعتبر أن أفعال الشخص المتهم بارتكاب جريمة الاغتصاب تمثل جريمة إبادة جماعية (أي مستعملة لإرتكاب جريمة الإبادة الجماعية). و قد اعتبر الحكم الصادر ضد عمدة سابق، جان بول أكايسو، أن الاغتصاب والاعتداء الجنسي يمثلان أعمال إبادة جماعية من حيث أنها ارتكبت بقصد تدمير جماعة التوتسي الإثنية كليا أو جزئيا

ويعتبر نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي دخل حيز النفاذ منذ جويلية 2002 الاغتصاب والاسترقاق الجنسي والبغاء القسري والحمل القسري والتعقيم القسري أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي ذات الخطورة المماثلة بين الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية عندما ترتكب بصفة واسعة وممنهجة. وتتضمن مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية عدة تهم بالاغتصاب معتبرة إياها  كجرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية.

و أخيرا ، 21 جوان 2016, حكمت المحكمة الجنائية الدولية على الكونغولي جان بيير بيمبا بالسجن  لمدة 18 عاما بسبب الاغتصاب الذي أمر به في جمهورية أفريقيا الوسطى معتبرة أنها جريمة ضد الإنسانية. و هذه المرة الأولى التي لا تتناول فيها المحكمة الجنائية الدولية مسألة الإغتصاب في الحرب فحسب بل  أيضاً التي تدين  جان بيير بيمبا كقائد وليس المرتكب المباشر للجريمة. وهذا يبرهن على أن اغتصاب الحرب ليس مسألة تتعلق فقط بمن يرتكبون الاغتصاب، بل هي أيضاً و قبل كل شيء مسألة  الذين يأمرون باستخدام هذا السلاح كما يأمروا بإطلاق النار على المدنيين

يمهد هذا القرار التاريخي الطريق نحو فهم أفضل للاغتصاب كسلاح من أسلحة الحرب لا علاقة له بالاثار الجنسي.

 

في ثلاثة نقاط

إغتصاب الحرب هو مسألة سلطة ليست مسألة جنسية

اغتصاب الحرب هو هجوم على جماعة وليس على فرد فقط، أهدافه متعددة و محددة

اغتصاب الحرب ليس مسألة جنس، بل جريمة دولية تمس في معظمها النساء ولكن أيضا الرجال والأطفال